Wednesday, December 11, 2013

بحث عن أهمية التعليم


مقدمة                                                                                                              

لم تعد أهمية التعليم محل جدل في أي منطقة من العالم فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة في العالم هي التعليم ، وأن كل الدول التي تقدمت بما فيها النمور الآسيوية قد تقدمت من بوابة التعليم ولذا تضع الدول المتقدمة التعليم في أولوية برامجها وسياساتها. 

ولقد تغير جوهر الصراع في العالم الآن حيث أصبح سباق في التعليم ، وإن أخذ هذا الصراع أشكالاً سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، فالجوهر هو صراع تعليمي لأن الدول تتقدم في النهاية عن طريق التعليم ، وكل الدول التي تقدمت وأحدثت طفرات هائلة في النمو الاقتصادي والقوة العسكرية أو السياسية نجحت في هذا التقدم من باب التعليم . 

وقد ذهبت الكثير من أقوال المشاهير من العلماء والسياسيين إلى التأكيد علي الأهمية الكبيرة للتعليم وعلي الدور الذي يمكن أن يلعبه ، ففي بريطانيا ظل رئيس وزرائها السابق توني بلير يردد طوال حملته الانتخابية وفي مؤتمرات الحزب أن الأولوية في برنامج الحكومة هي التعليم ، والتعليم ، وفي نفس الإطار أكد شيمون بيريز رئيس إسرائيل الحالي في حديث للتليفزيون الإسرائيلي أنه إذا كانت الدول التي تكرس الدين الإسلامي في الدول القريبة تملك الثروات الطبيعية والبترولية فإننا نستطيع أن نحسم الصراع لصالح إسرائيل عن طريق التعليم ، وعن طريق الثروة البشرية التي نملكها وإتاحة التعليم الجامعي لكل فتي وفتاة في إسرائيل. 

ولقد أصبح رؤساء كثير من الدول يعلنون صراحة أن التعليم الأساسي فيها هو التعليم العالى ، وإذا كان التعليم الأساسي هو الركيزة الأساسية في بناء وتكوين وتشكيل مكونات الإنسان العقلية والوجدانية ، وتأهيله للتعامل مع العلم والمعرفة واستيعاب آليات التقدم وتفهم لغة العصر، فإن مواكبة عصر التكنولوجيا فائقة القدرة والمعلوماتية المتصارعة الخطي ، تفرض بل وتحتم ألا يكون التعليم الجامعي والعالي مقصوراً علي الصفوة فقط كما كان من قبل . 

ولا يستطيع أي مجتمع تحقيق أهداف التنمية الشاملة ومواجهة متطلبات المستقبل إلا بالمعرفة والثقافة وامتلاك جهاز إعلامي ومهني سليم يتفق ومتطلبات الواقع والمستقبل المنشود في ظل التطورات العلمية وامتلاك التكنولوجيا المتغيرة بصفة مستمرة بأحدث ما يمكن في هذا ، ولن يتم كل ذلك إلا عن طريق العلم والتعليم ، ومما لا شك فيه أن المدارس ، الجامعات من أهم منظمات ودور صناعة العلم والتعليم في العالم علي وجه العموم ومصر علي وجه الخصوص .

ويعتبر النظام التعليمي المصري نظاماً مركزياً خاضعاً لسيطرة الحكومة المركزية فيالقاهرة ، ويعانى النظام التعليمى المصرى بكل عناصره وبكل مستوياته منذ أمد بعيد من العديد من المشاكل والتحديات ، والتى تمثل عائقاً حقيقياً أمام العملية التعليمية وتطورها وبالتالى التحديث والتنمية الشاملة .

ويهدف هذا البحث إلى التعرف على أهم المشكلات التى تواجه التعليم فى مصر وأهم الحلول المطروحة لتلك المشكلات ، وتقييم جهود الدولة فى مجال إصلاح وعلاج مشاكل التعليم ، وكما يقدم البحث بعض التوصيات التى يمكن الأخذ بها لحل مشاكل التعليم المصرى ، ويتناول البحث موضوع التعليم من خلال عدة محاور ، هى : 

o تحديد مفهوم التعليم .

o تحليل أهمية التعليم .

o عرض موجز للنظام التعليمى المصرى .

o تحديد المشاكل التى تواجه التعليم المصرى ، مع تحليل أسبابها .

o تقييم دور الدولة فى إصلاح وعلاج مشاكل التعليم .

o محاولة أستشراف مستقبل التعليم المصرى .



Ø المحور الأول : مفهوم التعليم 

التعليم في أوسع معانيه هو أي فعل أو خبرة لها تأثير على تكوين العقل، والشخصية ، أو القدرة البدنية للفرد ، والتعليم هو العملية التي يتم من خلالها تراكم المعارف والقيم والمهارات من جيل إلى آخر فى المجتمع عن طريق المؤسسات. 
وقد وصُف الحق في التعليم بأنه حق من حقوق الإنسان الأساسية منذ عام 1952 ، وتنص المادة 2 من البروتوكول الأول للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان على أنه " يلزم جميع الأطراف الموقعة على الاتفاقيةالعمل على ضمان الحق في التعليم " .

وعلى الصعيد العالمي ، ومنظمة الأمم المتحدة والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 يُكفل هذا الحق بموجب المادة 13.

ويختلف مفهوم التعليم عن مفهوم التعلم فالتعلم هو تغيير شبه دائم في سلوك التلميذ نتيجة الخبره والممارسة ، أما إذا اضفنا لهذا المفهوم عنصرين آخرين وهما : تحديد السلوك الذي يجب تعلمه وتحديد الشروط التي يتم فيها هذا التعلم وتهيئة الظروف لذلك ، والتحكم في الظروف التي تؤثر في سلوك التعلم بحيث يصبح هذا السلوك تحت سيطرتنا من اجل تحسينه كماً وكيفاً ، فإن إضافة هذين العنصرين تجعل موضوعنا هو التعليم ، وأما التدريس فهو الجانب التطبيقي التكنولوجي للتعلم والتعليم.

إن التعليم هو بمثابة جهاز المناعة لأية أمة والتعليم الضعيف كجهاز المناعة الضعيف الذى لايستطيع مقاومة الفيروسات التى تهاجم جسده فيقع فريسة لهذه الفيروسات التى تتكالب عليه من كل حدب وصوب حتى يسقط صريعاً وهكذا جسد الأمة إذا ضعف تعليمه ضعفت مناعته وأصبح عرضه لفيروسات الغزو الثقافى والفكرى وسقط فى براثن تيارات الانحلال والتفكك .



Ø المحور الثانى : أهمية التعليم 

مما لا شك فيه أن أهمية التعليم لا يمكن تجاهلها من قبل أي دولة ، وفي عالم اليوم أصبح التعليم ضرورة قصوى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي دولة ، ولا يخفى على أحد فى عصرنا هذا أهمية التعليم والتعلّم وخاصة بالنسبة للدول النامية حيث يعتبر الجهل والتنمية والهوية ثالوث المشكلة بالنسبة لتلك الدول ، لهذا يمثلالتعليم محوراً أساسياً للنهوض بهم .

وقد أولى الإسلام أهمية كبيرة إلى التعلم ففي معركة بدر التي أنتصر فيها المسلمين وقاموا بأسر عدد من الكفار وكان بعضهم يجيد القراءة والكتابة ، فعرض الرسول على الأسرى لكى يتم اطلاق سراحهم أما أن يعلموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة أو أن يدفعوا الفدية وكانت هذه هي المدرسة الأولى في تاريخ الإسلام التى أنشأها الرسول نفسه .

خلاصة الأمر يمكن القول أن التعليم يلعب دوراً إيجابياً وحيوياً فى حياة كل من الفرد والمجتمع ، ذلك كما يلى : 

· أهمية التعليم بالنسبة للفرد 

ü محو أمية الفرد .

ü تزويد الفرد بمعلومات فى شتى المجالات ، وجعل الفرد منفتح على الثقافات الأخرى والعلوم الحديثة .

ü زيادة قدرة لفرد على التفكير والابتكار وسعة الأفق .

ü زيادة ثقة الفرد بنفسه ، وأبعاده عن الأفكار والتيارات المتطرفة .

ü زيادة فرص الفرد على تحسين وضعه الاجتماعى من خلال تحسين الوضع الوظيفى .



· أهمية التعليم بالنسبة للمجتمع 

ü يساعد التعليم على نمو الأفراد اجتماعياً ، وبالتالى فهو يزيد فرص الحراك الاجتماعى بين أفراد المجتمع وطبقاته .

ü مساعدة المجتمع على استغلال موارد الثروة المتاحة بالبلاد بسبب اتاحته للقدرات البشرية القادرة على ذلك .

ü خفض معدل النمو السكانى فهناك علاقة وثيقة بين الأمية والمشكلة السكانية .

ü زيادة درجة الوعى الصحى فى المجتمع حيث يؤدي الجهل بالقراءة والكتابة إلى إهمال أبسط القواعد الصحية ، الأمر الذي يًسهل انتقال أمراض خطيرة مثل الملاريا والكوليرا ونقص المناعة المكتسبة "الإيدز" .

ü خفض معدلات الانحراف والتطرف.

ü رفع مستوى ثقافة الحوار حيث يعتبر التعليم العامل الأهم في ذلك ، يليه عامل التربية الأسرية فالإعلام، ثم اللقاءات والأنشطة الثقافية .

ü تحسين وضع التنمية لبشرية لمصر فى تقرير برنامج الأمم المتحدة الانمائى للتنمية البشرية .

ü زيادة معدلات التنمية وغير ذلك من الآثار التي توضح مدى أهمية التعليم والتعلم سواء بالنسبة للفرد أو المجتمع .



Ø المحور الثالث : النظام التعليمى المصرى

يعتبر النظام التعليمي المصري نظاماً مركزياً يخضع لسيطرة الحكومة المركزية فيالقاهرة ، و ينقسم إلى عدة مراحل ، وهى :

§ التعليم الأساسي ويشمل مرحلة التعليم الابتدائية مرحلة التعليم الإعدادية . 

§ التعليم الثانوي .

§ التعليم ما بعد الثانوي .

سياسة التعليم فى مصر
يوجه النقد في كل عام إلى سياسة التعليم في مصر، ويقصد الذين يوجهون هذا النقد بهذه العبارة: سياسة التعليم — إلى تفصيلات ما تقوم به وزارة المعارف، فهل التعليم الأوَّلي منتج أو غير منتج بنظام نصف اليوم وعدم الامتحان؟ وهل التعليم الثانوي مؤدٍّ إلى الغرض منه في أمر تعليم اللغات أو غير مؤدٍّ لهذا الغرض؟ وهل برامج التعليم صالحة أو يجب تعديلها؟ وهل الذنب على البرامج أو على طريقة التعليم، وبعبارة أخرى هل الذنب على البرامج أو على المعلمين؟
ولا يزال الكلام في هذه الشئون يتكرر في بعض الأحيان لمناسبة مناقشة الرد على خطاب العرش، وهو يقال دائمًا لمناسبة مناقشة ميزانية وزارة المعارف، ولهذا الكلام — لا شك — قيمته وفائدته، لكنه لا يصور المعنى المقصود من سياسة التعليم كما تفهم في الأمم المختلفة، فسياسة التعليم يجب أن تصور الغرض المقصود من التعليم، فإذا عرف هذا الغرض أمكن البحث في النظام الذي يوضع لتنفيذه، وأمكن الثناء على هذا النظام أو نقده، لأنه يكفل تحقيق الغرض من سياسة التعليم أو لا يكفل تحقيق هذا الغرض.
وتصوير سياسة التعليم ومعرفة الغرض منها في مصر لهما أهمية خاصة، فقد كان لمصر قبل استقلالها سياسة للري والصرف لم تتغير بالاستقلال، ولم يكن الاستقلال سببًا في تحويرها وتطورها، وسياسة مصر المالية كانت متأثرة بالامتيازات الأجنبية أكثر مما كانت متأثرة بحالها السياسية قبل الاستقلال وبعده، أما وقد زالت الامتيازات الأجنبية فيجب أن تحور هذه السياسة المالية على نحو يكفل العدل في توزيع الأعباء المالية على المقيمين بمصر جميعًا، وعلى وجه يكفل أغراض الدولة مصورًا في سياسة المصروفات، أما سياسة التعليم فقد اختلف الغرض منها بعد الاستقلال عما كان عليه قبل الاستقلال اختلافًا جوهريًّا، فوجب لذلك أن نحدد هذا الغرض الجديد وأن نعرف مراميه حتى نرسم حدوده ونصور وسائله.
فقد كان الغرض من التعليم قبل الاستقلال إيجاد موظفين للحكومة، وإيجاد طائفة تنهض في حدود ضيقة بأعباء المهن الحرة التي كانت محدودة، في المحاماة والطب، ثم كانت متصلة بأعمال الحكومة، فالمحاماة كانت — كما أنها لا تزال — عون القضاة، وكان المقصود بالطب إلى معالجة القادرين، وكان أكثر هؤلاء القادرين من الطبقة المستنيرة القائمة بالحكم أو المتصلة بالقائمين به.
أما الغرض من التعليم اليوم فقد أصبح شيئًا آخر مختلفًا تمام الاختلاف عن هذا الغرض الأول، وسياسة التعليم يجب أن تقوم في مصر اليوم على الأساس الذي تقوم عليه في كل أمة مستقلة، وقد اختلف هذا الأساس اليوم عما كان عليه في القرن الماضي في فرنسا وفي إنجلترا وفي غيرهما من البلاد اختلافًا يدلك عليه تغيير فرنسا وإيطاليا وغيرهما من دول أوروبا لاسم الوزارة القائمة على التعليم، فقد كان اسمها في فرنسا كاسمها في مصر (وزارة المعارف العمومية)، ثم غير هذا الاسم فصار (وزارة التربية والتعليم).
ودلالة هذا التغيير واضحة، فقد كان الغرض من التعليم في الماضي فرديًّا، وكانت الفكرة الأساسية فيه تزويد الفرد لفائدته بالثقافة التي ينتفع بها في الحياة، أما الغرض من التعليم اليوم فهو غرض قومي في أساسه يستفيد منه الفرد بطبيعة الحال، لكن القصد الأول هو فائدة الأمة، فيجب لتصوير سياسة التعليم أن يقرر المسئولون عن الأمة الأغراض التي تريد الأمة تحقيقها لفائدتها، وأن يوجهوا سياسة التعليم نحو هذا الغرض ابتغاء تحقيقه، وهذا هو السبب في أنك ترى سياسة التعليم في فرنسا غيرها في ألمانيا، وغيرها في إيطاليا، فللنظام السياسي أثر في توجيه هذه السياسة، وللنظام الاجتماعي أثر في توجيهها، بل إن لهذا الاتجاه في سياسة التعليم لأثرًا في تصوير العلم كما أن لها أثرًا في تصوير طريقة التعليم، فالجغرافيا هي الجغرافيا، والتاريخ هو التاريخ، لكن التاريخ حين يدرس لغرض قومي غيره يدرس لغرض فردي، والجغرافيا كذلك، فإذا كان ذلك هو الشأن في العلوم على اتفاق أسسها وحقائقها، فما بالك بأثر الإيحاء في الطريقة التي يدرس بها العلم! إنه لأثر بالغ، والطريقة هي المعلم، كما أن الأسلوب هو الكاتب.
أما وهذه حقائق بديهية لا سبيل للاختلاف عليها، فما هو غرضنا من التعليم اليوم في مصر؟ أهو غرض قومي أم هو غرض فردي؟ وهل وزارة معارفنا وزارة معارف عامة، أم هي وزارة تربية قومية؟ وإذا كانت وزارة تربية قومية فما هو مقصودنا من هذه التربية القومية؟
نحن بحاجة أكثر من كل أمة أوروبية لتحديد هذا الغرض؛ لأننا في مستهل حياة تعليمية نريد بها توجيه حياة هذه البلاد كأمة مستقلة.
ولقد ورد في خطاب العرش الذي أعلنته الوزارة الحاضرة في ١٨ نوفمبر الماضي أنها تريد أن تجعل الجيش صورة للأمة، وأن تجعل من الإصلاح أداة لقوة الجيش، على نحو ما صنع المغفور له محمد علي باشا في أوائل القرن التاسع عشر، والظاهر أن الوزارة لم تقصد إلى الغرض من هذه العبارة التي جاءت في خطاب العرش بكامل مدلولها، وآية ذلك أنها لم تغير شيئًا من نظام الإصلاح تغييرًا يتفق وهذه الفكرة التي جاءت في تصوير سياستها، اللهم إلا في كثرة الاعتمادات التي تطلب للجيش، كثرة يتخوف أولو الرأي نتائجها على مركز البلاد المالي.
ولا أحسبنا في هذه البلاد نريد أن نعود إلى سياسة القرن التاسع عشر وظروف اليوم تختلف عن تلك الظروف اختلافًا جوهريًّا، والفكرة في التجنيد اليوم في مختلف الأمم ليست مثلها في ذلك الزمن، ومهما يكن الأمر فإننا بحاجة قبل أن نصور الغرض الذي يجب أن تتجه إليه سياسة التعليم أن نذكر أن أول خطوة يجب تحقيقها لهذا الغرض إنما هي توحيد الثقافة، وتوحيد الأساس الذي تقوم عليه البلاد.
ونحن اليوم أبعد ما نكون عن هذا التوحيد، فلدينا من ألوان التعليم كما لدينا من ألوان الأزياء صنوف وأشكال، وحسبي أن أشير إلى أولى مراحل التعليم، فعندنا التعليم الإلزامي، والتعليم الأولي، ورياض الأطفال، والتعليم الابتدائي الحكومي، والتعليم الابتدائي في المعاهد الدينية، والتعليم الابتدائي في المعاهد الأجنبية، هذه ألوان من التعليم تعتبر مبدأ للثقافة في البلاد، وكلها يخالف بعضها بعضًا ويطعن بعضها على بعض مر الطعن، ترى هل نبقى على هذا النحو ولدينا من هذه الألوان برج بابل على ما ترى؟! أم أنَّا يجب أن نوحد الأساس الأول للتعليم، وأن نبحث عن «المدرسة الوحيدة» على تعبير الفرنسيين، ونجعل من هذه المدرسة أساس الثقافة بوجه عام؟
هذه في نظري مسألة جوهرية في حياة البلاد، فإذا لم نصل إلى توحيد التعليم في أساسه بقينا في مضطرب من فوضى الأهواء، وبقي مَثَل الأمة الأعلى موزعًا لا يعرف أحد له صورة مضبوطة، بل إن الأمر ليتعدى ذلك في علاقات الناس بعضهم ببعض، فاختلاف الأساس الذي يقوم عليه التعليم يجر إلى اختلاف الناس في تصوير الأشياء، ويجر بالتالي إلى عدم السهولة في تفاهمهم بعضهم مع بعض، ويخلق نظامًا للطوائف سببه اختلاف الثقافة هو شر من نظام الطوائف القائم على أساس من اختلاف الثروة وتفاوت توزيعها بين الناس.
ولقد شعر فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي بصحة هذا الذي نقوله منذ زمن غير قليل، ففي سنة ١٩٢٨ وضع مذكرة لإصلاح الأزهر كان رأيه فيها صريحًا كل الصراحة، متفقًا مع ما نقوله اليوم تمام الاتفاق، فهو قد رأى في هذه المذكرة أن القسمين الابتدائي والثانوي من المعاهد الدينية يجب أن يكون على نظام القسمين الابتدائي والثانوي للمدارس الحكومية، وأن يستعاض في المعاهد الدينية بتعليم قواعد الدين عن تعليم اللغة الأجنبية في المدارس الحكومية.
ولو أن ذلك تم من يومئذٍ لكان خطوة واسعة في سبيل توحيد الثقافة مما دعونا وندعو إليه.
إذا اتفق الرأي على ضرورة توحيد الثقافة في مراحل التعليم الأولي؛ أي إلى النهاية من مرحلة الثقافة العامة، أمكن لنا أن نتصور الغرض من التعليم في مصر، ومتى تصورنا هذا الغرض أمكن تصوير الطريقة التي ينفذ بها على خير وجه يحقق المصلحة العامة.
إن الغرض من التعليم اليوم في البلاد المختلفة قوي كما قدمنا، وهو لا بد أن يكون كذلك في مصر، ويجب أن نوجه التعليم كله، من مرحلته الأولى إلى مرحلته الأخيرة ليكون وسيلتنا إلى تحقيق غرضنا الذي نريده لمستقبل هذه البلاد، ويجب أن تكون مراحل الثقافة كلها موحدة متماسكة متضافرة على تحقيق هذا الغرض في نواحي حياتنا العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ومن حسن حظ هذه البلاد أنها لا تقف فيها عقبة تحول دون توحيد التعليم كالعقبة التي وقفت زمنًا طويلًا في بلاد أخرى، عقبة المذهبية الدينية والدولة، أو عقبة الكنيسة والدولة كما يسمونها في بلاد أوروبا، فالمصريون جميعًا يقدِّرون أن الدين الإسلامي قد قام في عصور ازدهاره على أساس الاجتهاد في حدود كتاب الله، وما أمر الله به وما نهى عنه، والاجتهاد ليس رهنًا بقرارات تصدرها هيئة من الهيئات، وليس وقفًا على طائفة من الناس دون أخرى، ولكنه مقيد بالعلم وحده.
ولهذا السبب رأى الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي — ونحن نوافقه على هذا الرأي تمام الموافقة — أنْ توحَّد مراحل التعليم للثقافة العامة في أنحاء الدولة جميعًا حتى تتم تربيتنا القومية على أساس سليم من تاريخنا، وعقائدنا، وتقاليدنا، ومن مبادئ العلم الحديث وقواعده تدفع إلى هذا التاريخ وهذه التقاليد قوة حافزة تجعلنا نسرع السير إلى الأمام نحو الغرض القومي الذي ننشده، والذي تشاركنا البلاد العربية والبلاد الإسلامية فيه إلى أبعد الحدود.
ويضيق بي المقام اليوم إذا أردت أن أرسم صورة كاملة لما يجب أن يكون عليه هذا التوحيد، لكني لا أرى بدًّا من القول بأن مرحلة التعليم الأولي يجب مع توحيدها أن تهيئ لما بعدها، كما يجب أن تهيئ فرصة الثقافة العامة الموحدة لما بعد ذلك، فإذا تم هذا كان التوحيد لشُعب التخصص في علوم اللغة أو في أصول الدين أو في القانون والشريعة والفقه، أو في الطب أو في الزراعة، هي التي تعد لهذا التخصص في نواحي العلم العالي المختلفة.
هذا هو الواقع اليوم في بلاد الغرب المختلفة، وهذا هو الذي كان واقعًا عندنا قبل عهد المغفور لهما محمد علي باشا الكبير والخديوي الأول إسماعيل باشا، وكان الأساس الذي يقوم عليه التعليم في مصر في تلك العصور أساسًا موحدًا، كما أن الأساس الذي يقوم عليه التعليم في دول أوروبا المختلفة موحد كذلك، وكان هذا الأساس الموحد هو السبب الجوهري لتماسك الأمة ولقوة عناصرها وطوائفها المختلفة، لأنها كانت تتفاهم كلها على أساس واحد، وكانت تستطيع لذلك أن تكيِّف مستقبلها وآمالها في هذا المستقبل.
إذا اتفق الرأي على ضرورة هذا التوحيد في أساس التعليم، وقامت سياسة التعليم في مصر للنهوض القومي أولًا وقبل كل شيء، تيسر للفنيين أن يصوروا ما يجب أن يكون عليه التعليم في برامجه وفي طرائقه وفي أغراضه وغاياته، وإذا تحقق ذلك كله انتفت المناقشات الطائفية القائمة اليوم، والتي يلمس الكل آثارها داخل وزارة المعارف كما يلمسونها بين وزارة المعارف وغيرها من الهيئات الأخرى القائمة بالتعليم، سواء كانت هذه الهيئات خاضعة لرقابتها أو غير خاضعة لهذه الرقابة.
كم أتمنى لو اجتمع المسئولون عن التعليم وعن سياسة هذه البلاد وتحدثوا في هذا الرأي الذي أبديه اليوم، إنهم إن يفعلوا يحلوا مشكلة من أكثر المشاكل اليوم تعقيدًا، ويمهدوا لمستقبل خير من الحاضر، بل لمستقبل تحقق مصر فيه أعظم غرض ترمي إليه أمة من الأمم؛ بروز قوميتها واضحة ساطعة تلفت الأنظار وتكفل احترام العالم كله.


0 comments:

Post a Comment

Share

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites